
فنّ النّقش .. مِن قديم تفرّدت به سُوفُ
للأستاذ بشير خلف.
المصدر : موقع ديوان العرب.
فهرس الموضوع
فنّ النّقش .. مِن قديم تفرّدت به سُوفُ.
– فنٌّ صعْب التشكيل.
– عمر قاقة الرائد الأول.
– تصدّرت الريّادة ” قمار” في هذا الفن.
– فنٌّ يستمدّ قواعده من الطبيعة ومن علم الرياضيات.
– فنٌّ راقٍ .. عاد إليه المُوسرون.
– وأنواع الجبس المستخدمة في ديكورات المنازل نوعان.
الموضوع
فنّ النّقش من الفنون القديمة، لكن بروزه أكثر كفنّ يهدف إلى التجميل، و إضفاء الجمال على العمارة، و الصناعات الحرفية؛ تجلّى أكثر إلاّ من خلال الحضارة الإسلامية كفنٍّ راقٍ من فنون الفن الإسلاميّ،
و بالرغم من المستوى العالي الذي بلغته اليوم الصناعات و التي كانت طوال عهود طويلة، و حتّى وقتٍ قريبٍ مصدرُها الحرف اليدوية، إلاّ أن النقش لا يزال يحتلّ مكانة رائدة في كل بلدان العالم كحرفة جمالية و فنّية راقية تدعّم السياحة بنتاجات تساهم في إبراز شخصية الأمة و هويتها، و الحفاظ على هذه الهوية من ناحية، و المساهمة في الدخل الوطني من ناحية أخرى .
و لئن كان الفنان المبدع الذي يتعامل مع فن النقش في العديد من الموادّ كالذهب و الفضّة، و النحاس ، و الزّجاج، و حتّى البيض و البذور؛ إلاّ أن النقش على الجبس يبقى في الصدارة لارتباطه بالعمارة، و خاصة العمارة الإسلامية، فقد لازمها و رافقها و لا يزال؛ و قد أصبح الطلب عليه أكثر أخيرا حتّى من طرف الأفراد الأثرياء في إصباغ جماليات على قصورهم ، و دُورهم ، و فيلاتهم .
فنٌّ صعْب التشكيل
إن النقش على الجبس ليس بالأمر السّهل كما هو الحال في فنّ النّحت .. فإذا كان هذا الأخير يتطلّب القوّة العضلية، و الصّبر، و الثقافة المعرفية الواسعة، فإن فنّ النقش يتطلّب إضافة إلى ما سبق الكثير من قوّة الملاحظة، و التأمّل، و الدقّة، و الحكمة، و الإلمام بقواعد الرياضيات و الهندسة بصفة خاصّة، و الإلمام أيضا بالزخرفة، و فنيات الحفْر على الجبس ..و معرفة خصائص هذه المادة من حيث الاستعمال، و التشكيل، و تأثير الحرارة و البرودة عليها؛
لأن كما هو معروف أن الحرارة المرتفعة تُعيق استعمالها، و تُفقدها مرونتها التي بواسطتها يسهل التشكيل، و يتيسّر الحفّر..و بالتالي أنّ من يتعامل مع هذا الفنّ يُفترض أن يكون أخصّائيا فيه، فهو الوحيد الذي يملك القدرة على تنسيق الأشكال الهندسية الدائرية، و الأشكال ذات الزوايا المنفرجة و الحادّة ، و الأشكال التي تجمع هذه أو تلك أو غيرها .
عمر قاقة الرائد الأول
لصعوبة ممارسة هذا الفنّ فقد قلّ محترفوه حتّى وقتٍ قريبٍ ببلادنا، غير أن فروعا له فُتحت في السنوات الأخيرة بمراكز التكوين المهني بولايات الجنوب الجزائري التي تُنتج بها مادّة الجبس، و تستعمل بكثرة في العمارة، سواء بالمساجد، أو البيوتات الخاصّة خاصة بولاية الوادي.
يجب التذكير هنا أن مدينة قمار بولاية الوادي كانت رائدة في فنّ النقش على الجبس منذ الأربعينات من القرن الماضي، حيث كان المرحوم عمر قاقة الرائد الأول، و نتيجة لذلك ذاعت شهرته ممّا استعانت به السلطات الاستعمارية في نقْش القبّة الكبيرة لقاعة البريد المركزي بالجزائر العاصمة ، و قاعات قصر الشعب، و لا يزال هذا الأثر الفنّي إلى يومنا هذا صامدا، و شاهدا على عبقرية هذا الرجل، الذي أبهر أشهر المهندسين المعماريين الفرنسيين آنذاك لعبقريته، و بساطة الوسائل التي كان يستعملها، و التي لا تزيد عن توظيف أجزاء برنوسه الذي يلبسه ليحدّد مقاسات الأقواس، و أجزاء القبّة، و تشكيلات النقش الهندسية .
عبقريّة جلبت له الاحترام والتقدير والتكريمات التي نالها وفْق التالي
- ميدالية الشرف من طرف وزير التجارة و الصناعة الفرنسي باسم الجمهورية الفرنسية بباريس يوم :31 /08/ 1919 .
- يُعيّن عضوا في أكاديمية البناء و الفنون الجميلة بباريس بتاريخ 12/02/1920 من طرف وزير البناء و الفنون الجميلة باسم الجمهورية الفرنسية .
- يُمنح بتاريخ 29/12/1930 نيشان الافتخار المطرّز من الصنف الرابع من باي تونس أحمد باشا باي صاحب المملكة التونسية ، بناء على اقتراح وزير خارجية المملكة حينذاك.
تصدّرت الريّادة ” قمار” في هذا الفن
و للتدليل على مكانة هذا الفن في مدينة قمار نُورد هذا النصّ من موقع ” واد سوف ” الإلكتروني:
( ظهر هذا الفن بمدينة قمار بوادي سوف على يد بنّاء من المغرب الأقصى استدعاه الشيخ محمد العيد شيخ الطريقة التيجانية بعد استلامه المشيخة بزاوية تماسين عام (1260ه ـ 1844م)، و ذلك لبناء المسجد المجاور للزاوية. و قد قام هذا البنّاء المغربي بتعليم نخبة من أهل قمار فن النقش على الجبس، و قد برع منهم عمر قاقة الذي أصبح آية إعجاب فيما بعد حتى ذاع صيته في كامل أرجاء البلاد، وقد ساهم في نقش البريد المركزي في الجزائر العاصمة، كما قام بتعليم هذا الفن لبعض مساعديه، فبرز من تلامذته تيجاني قاقة الذي ساهم في نقش و زخرفة جلّ مساجد وادي سوف.
يمثل هذا الفن مجموعة من الزخارف المحفورة على الجبس، و تُستعمل فيها نماذج تختلف من حيث الوصف و المعنى، فنجد النقوش الهندسية، و التي أساسها الأشكال الهندسية المنتظمة المتداخلة و المتشابكة مع بعضها البعض.و النقوش النباتية و التي هي عناصر زخرفية مستمدة من الأوراق، والفروع، والأزهار ..وأخيرا النقوش الكتابية و التي تتألف من الخط الكوفي، أو النسخي، و يُستعمل النقش على الجبس لنقش مساحات السطوح، و الجدران، و السقوف و القباب و الأعمدة.)
فنٌّ يستمدّ قواعده من الطبيعة ومن علم الرياضيات
و لهذا الفن قواعد مستمدة من الطبيعة، و الأعمال الزخرفية القديمة، و منها التوازن، و التناظر، و التشعب من نقطة أو من خط، و التكرار، و كلها قواعد أساسية يقوم عليها التكوين الزخرفي.
القبّة والدّمْسة :
كانت الوحدة الأساسية في المسكن السوفي هي الحُجْرة الصغيرة التي تدعى” الدار”، وكان أهل سوف عندما يريدون بناء الدار، يتمددون أرضا فيكون ذلك هو مقياسها عرضا و بأطوال مختلفة، أما ارتفاعها فيكون حسب طول قامة الشخص الواقف فلا يتجاوز أربعة أذرع في الغالب، أما سقفها فأُعد من جريد النخلة و أخشابها، ثم انتشرت القباب بشكل واسع خاصة في منتصف القرن التاسع عشر حتى سُميت وادي سوف بمدينة الألف قبة و قبة لاعتماد الناس في بناء بيوتهم على القبة التي أصبحت تشكل الطابع المعماري الخاص بوادي سوف.
و لهذا النوع من القباب مزايا مقصودة فرضته طبيعة المنطق، و ذلك لأن شكل القبة يساعد على تبعثر أشعة الشمس المسلطة عليها، و تخفيف حدتها و على منع تراكم ما تأتي به الرياح من تراب فوقها. كما أن تجويف القبة داخل البيت يوفر مزيدا من الهواء و يُلطف درجة الحرارة فيها.
و لتوسيع الحجرات الصغيرة المشيدة من قبة واحدة، استُحدثت أقواس لإضافة قباب جديدة لغرض زيادة مساحة الدار، كما نُقلت إلى سوف طريقة جديدة لبناء الأسقف وهي “الأدماس” المستطيلة وقد ساهم الضباط الفرنسيون الذين حكموا سوف منذ 1883 في تطوير الهندسة المعمارية باعتمادهم طرقا تقنية متطوّرة ، و استعمالهم الخيوط، و المسامير لتدوير القباب ، و الأقواس بدقّة.)
و إنصافا لهؤلاء لا تزال العديد من البناءات التي أنجزها هؤلاء صامدة و تؤدي وظائفها حاليا منها الشقق، و البناءات الإدارية و المدرسية ..من هذه الأخيرة مساكن لا تزال كما هيّ و حجرات مدرسية بمدارس أنشئت في بداية القرن العشرين، و في أواخر القرن العشرين منها مدارس : أميهي بالحاج بمدينة الوادي ، و مدرسة كوينين المركزية ، و مدرسة الذكور بقمار و غيرها.و مقرّات إدارية كالمقرّ القديم لولاية الوادي، و مقرّ البلدية القديم و غيرها …
فنٌّ راقٍ .. عاد إليه المُوسرون
في أيّامنا هذه عاد الكثير من الناس المُوسرين، و حتّى متوسّطي الحال الذين يُنجزون مساكنهم الخاصّة في البلاد الجزائرية إلى استعمال مادة الجبس كمادّة تلبيس للجدران الداخلية للقصور و المنازل، لخصائصها التكييفية للمناخ أصلا، كونها مادة شُبْه عازلة في الشتاء، حيث تُبْقي على الدّفء الداخلي داخل المنزل ،
و تمنع تسرّب الحرارة في فصْل الصيف ..و كمادة للديكور تُغطّي عيوب وأخطاء إنجاز البناء ، وتُضْفي عليه جماليات؛إذْ لا يكاد يخلو بيتٌ الآن قــيْد الإنجاز من وجود ديكورات جبسية في مختلف الغرف، و الممرّات، و الزوايا و غيرها، لأن الجماليات التي تُكسبها لأرجاء المنزل لا تُـقاوم من الكثيرين .
وأنواع الجبس المستخدمة في ديكورات المنازل نوعان
أوّلها
قوالب مصبوبة جاهزة بتصاميم ثابتة متنوعة تُباع مثل الكلاسيكي، و الهندسي، و المشجر و هي أقلُّ تكلفة، و ينتشر استخدامها في الوحدات السكنية الصغيرة كالشقق السكنية، و الفيلاّت الصغيرة، أو المتوسّطة..منها ما يكون في سقوف البيوت، و منها ما يكون في الردهات و الممرّات و المداخل .
ثانيها
هو الزخرفة (النقش) على الجبس و هذا أجملها على الإطلاق، و يكثر استخدامه في القصور، و الفيلاّت السكنية الراقية، و المساجد.
فــنّ النّقـش..مِن قديم تفرّدت به سُوفُ – للأستاذ بشير خلف.
فــنّ النّقـش..مِن قديم تفرّدت به سُوفُ – للأستاذ بشير خلف.
فــنّ النّقـش..مِن قديم تفرّدت به سُوفُ – للأستاذ بشير خلف.