
زيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى سوف – الحلقة الأولى
فهرس الموضوع
زيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى سوف – الحلقة الأولى
1. الوصول إلى مشارف قمار.
2. التوجه إلى الوادي.
. الحادثة التي وقعت في الطريق إلى الوادي.
. زيارة مكتب القبطان.
. بداية الزيارة لوادي سوف.
3. التوجه إلى البياضة.
4. التوجه إلى حساني عبد الكريم ومنها إلى الزقم.
. المصادر.
هذه الزيارة التي خص بها الشيخ عبد الحميد بن باديس ورفاقه من جمعية العلماء المنطقة في سنة 1937 ميلادي الموافق لـ : 1356 هجري هي لمجموعة من قرى سوف بما فيها قمار، حسب رواية الشيخ حمزة شنوف المدعو- بوكوشة- العضو الإداري لجمعية العلماء في مقالة بجريدة البصائر العدد : 93 و 94 و 95 و 96
1. الوصول إلى مشارف قمار.
يقول الشيخ حمزة بوكوشة :
مساء الثلاثاء اجتمعت برئيس الوفد وأعضائه ببسكرة النخيل فألزموني بصفتي من أعضاء المجلس الإداري للجمعية بمصاحبتهم في هذه الجولة فامتثلت رغم شواغلي وسرت معهم صباح الإربعاء على سيارة خاصة.
فسارت بنا وانسابت في الوعاء انسياب الحق الذي يفر الباطل من فحيحه. واصبح لنا الشيخ مبارك الميلي شاعرا مبدعا بعدما كنا نضنه ثائرا فحسب فعندما وصلنا رمال وادي سوف والسيارة تميل بنا يمنة ويسرة كسفينة في الأمواج المتلاطمة قال الشيخ حفظه الله :

رمال الواد يا خير الرمال — ويا حصن العروبة في النزال
وقد ذكرني هذا البيت بقصيدة لي كنت كتبتها في سنة 1932 ميلادي طالعها :
سقاك الغيث يا وادي الرمال — وصانتك الأسنة والعوالي.
بني الوادي المكرم لا عدمتم — شبابا عاشق الشم العوالي.
شبابا باتباع الدين مغرى — وللبدع الشنيعة هو قالي.
وكم قد عاكسته شيوخ سوء — وكم قد هددته على التوالي.
وكم قد أوعدته بكل شر — وهل نحت الذباب ذرى الجبال.
وعندما أشرفنا على بلدة قمار وجدنا سيارتين من الوادي في انتظارنا فنزل من فيها واستوقفوا سيارتنا فأشرنا على السائق فأوقفها ونزلنا لمصافحتهم والتسليم عليهم وكان من بين أولئك الآخر أن الذين نسيت أسماءهم – وما أنسانيها إلا الشيطان –
- الشيخ الأخضر شبرو رئيس شعبة الوادي وهو زيتوني اشتغل باش عدل بمحكمة قمار
- والسيد عبد الكامل أمين مالها.
- والسيد الأخضر قدور نائبه.

… فوجدنا الناس في تظاهر عظيم خارج بلدة قمار فنزلنا هناك وقبل أن ينزل الرئيس من السيارة قدم إليه الشاب الناهض السيد الطيب بن السيد الحاج عبد القادر بن فرحات أحد أعضاء شعبة تكسبت وأحد المزاولين للتعليم بجامع الزيتونة … باقة من الأزهار قدمها بأبيات منها قوله :
يا باقة أدِّى السلام اللائقا — وإلى الرئيس صلى احتراما فائقا.
من نشئ سوف المبرهن أنه — ………………………..
وبعدما نزلنا من السيارة للتسليم على أولئك المقتبلين رغبت منا شعبة قمار أن نتناول القهوة هناك فلبينا الدعوة ولما أخذنا مجلسنا في المحل الذي هيئته الشعبة وهو محل فسيح جدا قام الشيخ محمد الطاهر التليلي بن بلقاسم أحد المتخرجين من جامع الزيتونة وألقى خطاب ترحيب وقصيدة طالعها:
هبّي يا قرية الرمال وهِبِي — واجبات اللقاء إلى خير وفد.
ومنها :
مرحبا باللذين هبَوا لحق — أهله ضيعوه عن غير عمد.
نفخوا في البلاد روحا فأمست — أمة تعرف الحقوق وتفدي.
2. التوجه إلى الوادي
الحادثة التي وقعت في الطريق إلى الوادي
ثم سرنا إلى الوادي وبينما نحن على بعد من الوادي بسبعة أميال إذ بسيارة تقل أحد إخواننا المصلحين استوقفنا وأبلغنا بأن – من عيوبة تغني عن التصريح باسمه – هناك من استجاش أهل عميش وأتى بهم إلى الوادي في انتظارنا
وذهب إلى السيد القبطان (الحاكم الفرنسي في سوف) وأبلغه بأن قدومنا أحدث تشويشا وأن أهل عميش أتوا للتصادم معنا وقال للسيد القبطان حسبما بلغنا ماذا ترى ؟
فتنبه السيد القبطان للمكيدة وقال له الذي أتى بهم هو الذي يرجعهم والمسؤولية ملقاة على عاتقه فأخذ منا العجب مأخذه فغضب الشيخ عبد العزيز بن الهاشمي – أحد أعضاء المجلس الإداري لجمعية العلماء وأحد أعضاء وفدها إلى الصحراء – غضبا لا مزيد عليه إلا أننا استغللنا كل وسيلة لتسكين غضبه ثم سرنا في طريقنا إلى الوادي.
زيارة مكتب القبطان
فوصلنا قرب الساعة الثانية وأحد عشرة دقيقة بعد منتصف النهار ووجدنا الجماهير تنتظرنا خارج البلاد وعلامة السرور بادية عليهم وأتينا مكتب رئيس الملحقة السيد القبطان (رئيس الملحقة – الحاكم الفرنسي في سوف) فوجدناه صحبة المترجم طيرن (الإسم غير واضح)، فاقتبلانا بلطف وظرف وعرّف رئيس الجمعية بنا واحدا واحدا.
فقال السيد القبطان :
“بودي أن لا تخطبوا لأن الناس متعصبون جدا وأخشى أن يحدث ما لا يحمد عقباه”.
فقال له الرئيس عبد الحميد بن باديس :
“أنا كفيل بأن لا يحدث إلا ما يحمد عقباه وستفرحون بالأثر الحسن الذي يتركه أثر رحلتنا في قلوب السكان”.
فقال القبطان : “لا وجود للمحلات العمومية إن أردتم الخطابة فأين تخطبون ؟”.
فقال له الشيخ عبد العزيز بن الهاشمي :
“في زاويتي وهي أوسع محل في البلد”.
ثم خرجنا من مكتب رئيس الملحقة وألسنتنا تلهج بالثناء على أدبه وعلى دماثة أخلاقه وأخلاق السيد الترجمان لمعرفتنا بمكانة الرجال ولعدم اغترارهما بالأكاذيب الملفقة والخرافات الفارغة التي قام بها أعداء الأمة و الحكومة الذين يريدون أن يتخذوا من الأمة البائسة المسكينة بقرة حلوبا … مطية ذلولا لأغراضهم السافلة.(1)

بداية الزيارة لوادي سوف
خرجنا من مكتب رئيس الجمعية وسرنا لتناول الغداء على مائدة الشيخ عبد العزيز بن الهاشمي فازدحم الناس علينا واراد أعوان الحكومة استعمال العصي في تفريق الناس علينا فنهرهم ونهاهم السيد الحاكم ونهاهم على استعمال العصي فازداد عجبنا بحسن سلوكه
وبعدما تناولنا طعام الغداء ذهبنا للمحل الذي هيأه الشيخ عبد العزيز لإلقاء الدروس والخطب فوجدناه امتلأ بالجماهير رغم اتساعه ولما أخذنا مجلسنا فيه :
- قام الشيخ الأخضر شبرو رئيس الشعبة وحيّ الوفد ورحب به وعرف الحاضرين به.
- ثم قام الشيخ عبد الحميد بن باديس وألقى درسا في الوعظ الديني ذرفت له العيون.
- ثم تلاه الشيخ العربي التبسي بمحاضرة قيمة في التمسك بالكتاب والسنة.
- وقام بعده الشيخ عبد العزيز بخطاب بليغ.
ثم ذهبنا إلى صلاة المغرب ورغب منا الحاضرون أن نلقي درسا بعد صلاة العشاء فرجعنا إلى المحل بعد صلاة العشاء :
- ألقى الشيخ عبد الحميد بن باديس درسا في تفسير قوله تعالى “وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون”.
- ثم قام الشيخ محمد خير الدين بخطاب بيّن فيه أعمال جمعية العلماء.
- ثم قام كاتب هذه السطور وألقى خطابا بيّن فيه مزايا جمعية العلماء على المجتمع الجزائري وحث الحاظرين على التعليم الصحيح وحذرهم من تقوّلات المتقوّلين على رجال الجمعية.
- ثم قام الشيخ عبد الحميد بن باديس وشكر الناس على الهدوء والنظام وأمرهم بالإنصراف فخرج الناس هاتفين بجمعية العلماء وساخطين على المدجلين الظالين الذين حاولوا أن يحولوا بينهم وبين سماع وعضها وارشادها.
3. التوجه إلى البياضة
وصباح الخميس ذهبنا إلى عميش ودخلنا سوق البياضة وذهبنا إلى المسجد الذي بناه الشيخ الهاشمي فاجتمع علينا جمع غفير من الناس.
- فألقى عليهم الشيخ عبد الحميد بن باديس خطاب وعض وتذكير.
- ثم تلاه الشيخ عبد العزيز بخطاب عرف فيه بالجمعية وحلو الأمة من أدعياء الولاية والصلاح الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل.
- ثم قام الشيخ العربي التبسي بخطاب حث فيه على إحياء السنة وإماتة البدعة.
- وتلاه الشيخ مبارك الميلي ببيان في مقام الربوبية والرسالة والولاية.
- وبعد ذلك ذهبنا إلى “القباب” حيث زاوية الشيخ الإمام فاجتمعنا ببعض الشيوخ هناك وعرفناهم بمبادئ جمعية العلماء وبما تدعو إليه.
4. التوجه إلى حساني عبد الكريم ومنها إلى الزقم
ثم عدنا إلى الوادي، وتناولنا طعام الغداء على مائدة الشيخ عبد العزيز وبعد الزوال توجهنا إلى الزقم ووقفنا بطريقنا لها بحساني عبد الكريم حيث اعترضنا أهلها خارج البلدة وألزمونا بالذهاب معهم إلى محل خاص لنلقي لهم درسا فذهبنا معهم للمحل وقدموا لنا الشاي والقهوة :
- ألقى الشيخ عبد الحميد بن باديس درسا في تفسير قوله تعالى “وننزل من القرءان ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين”.
- قام بعده الشيخ عبد العزيز بإلقاء كلمة نصح ووعظ للحاضرين حاثا الناس على أن الشفاء من القرءان فإذا قال لكم آخرون أن الشفاء منا فهل تصدقونهم؟ فقال الحاضرون بصوت واحد لا. ثم أخبرهم أن هناك من يريد أن يصدهم عن جمعية العلماء وهم في ذلك يصدونكم عن سبيل الله. (2)
ثم غادرنا البهيمة (حساني عبد الكريم حاليا) والشمس ءاذنة بالمغيب فصلينا المغرب بالزقم واقتبلنا أهلها إقتبالا رائعا خارج البلدة ثم ذهبنا إلى المحل الذي أعدوه لإلقاء الدروس والخطب :
- فألقى علينا الشيخ أحمد الغولي أحد متطوعي جامع الزيتونة خطاب ترحيب نيابة عن سكان البلدة.
- ثم ألقى الشيخ عبد الحميد بن باديس درسا في تفسير قوله تعالى “ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب” الآية.
- ثم تكلم الشيخ عبد العزيز في ثلاث مسائل :
- جمعية العلماء.
- أذناب الحكومة الذين ينتسبون إليها وهي بريئة من أفعالهم.
- الطرقيون.
و شرح المسائل الثلاث شرحا وافيا، فحث الأمة على جمعية العلماء وعدم الإكتراث بأذناب الحكومة وتدجيلات الطرقيين ونصح لهم بجلب مدرس مصلح يعلمهم دينهم ويهذب أولادهم.
- ثم ألقى الشيخ العربي التبسي درسا في قوله صلى الله عليه وسلم “الدين النصيحة” الحديث.
- ثم قام الشيخ مبارك الميلي وألقى درسا في الهداية الإسلامية وما تتطلبه.
- وبعدها قام الشيخ محمد خير الدين وتكلم عن تأسيس الشعب للجمعية ورغب من أهل الزقم تأسيس شعبة لها هنا فأسسوها حالا.
وتناولنا العشاء تللك الليلة بالزقم وبتنا بها.
تابع القراءة : زيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى سوف – الحلقة الثانية.
مفيدة جدّا هذه المقالات التي تميط لثام النكران و تنفض غبار النسيان عن دورة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إبّان الحقبة الإستعماريه .