
الشيخ عمار بن الأزعر 1868 – 1898م
تعريف
هو عمار بن عبد الله بن الطاهر بن أحمد بن محمد الأزعر القماري المدني.
ولد رحمه الله في بلدة قمار سنة 1316 هـ في عائلة فقيرة ولكنها متمسكة بدينها ومحافظة عليه.
وصفه
كان رحمه الله متوسط القامة، قمحي اللون، عريض الجبهة، أقنى الأنف، خفيف الشارب، كث اللحية، يلبس الغترة ولا يضع عليها عقال ويرتدي العباءة العربية، وهذا زي العلماء في العصر الحديث.
أما عن صفاته وأخلاقه فإن القارئ لترجمة هذا العالِم الصالح يستطيع أن يستنتج أموراً كثيرة منها أن الشيخ رحمه الله كان ذكياً، مصلحاً، لا تأخذه في الحق لومة لائم،
اشتهر بالعفة والنزاهة، طيب القلب، سليم النية، متواضع، يكره الملق والتكبر، فيه سمات العلماء ووقارهم.
نشأته وتعليمه
بدأ رحمه الله بحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وذلك في بلدة فلياش ـ قرية من قرى بسكرة ـ وعندما بلغ الثالثة من العمر رحل مع والده إلى بلدة سيدي عقبة بجنوب الجزائر وأتم حفظ كتاب الله هناك، ثم عاد إلى مسقط رأسه ودخل الكُتّاب.
ومن ثم التحق بزاوية سيدي المولدي بتوزر بالقطر التونسي الشقيق، ولقد كان نظام التدريس بهذه الزاوية داخلي يقصده الفقراء وأبناء تلك الجهات لتلقي كتاب الله وحفظ بعض المتون الفقهية، وفي العاشرة حفظ شيخنا بها كتاب الله وأتقن حفظه.
ولكن طموحات الشيخ وأحلامه لم تكن قاصرة على حفظ كتاب الله وإتقان فنونه فقد كان يريد الخوض في معركة مع العلم يستنير منه بأكبر قدر ممكن، فرحل إلى تونس مشياً على الأقدام وتكبد من المصاعب الكثير، ونال من المشقة ما نال حتى وصل إليها سنة 1334 هـ،
وما لبث حتى التحق بجامع الزيتونة الكبير المشهور وانخرط في سلك التعلم فهرع وانكب على مطالعة الكتب والدروس، إذ أن المقررات حافلة بمواد وكتب غزيرة المادة يدرسها شيوخ أفاضل، كل شيخ بصدد فنه الذي يتخصص به.
يقول الشيخ عمار في ترجمة لنفسه كتبها محمد سعيد دفتردار :
” ومن فضل الله عليّ أني أدركت الكبار من هؤلاء العلماء :
- منهم الشيخ الصادق النيفر الملقب بسفينة الفقه، قرأت عليه العاصمة في فقه الأحكام على منصب إمام دار الهجرة، وكان له عليها شرح طبع بعد وفاته رحمه الله.
- ومنهم الشيخ أبو الحسن النجار، قرأت عليه تنقيح الفصول في قواعد الأصول للقرافي.
- ومنهم الشيخ الزغواني مدرس الفقه المالكي، قرأت عليه مختصر خليل بشرح الدردير في أربع مراحل.
- ومنهم الشيخ عثمان بن المكي التوزري، قرأت عليه بعضاً من العاصمة وله عليها شرح كبير ينتفع به، وله عدة تآليف في عقيدة أهل السنة والجماعة منها المرآت في إظهار أهل الضلالات وكتب أخرى من هذا القبيل، ودروسه عامرة بالدعوة إلى التوحيد وإظهار طريقة السلف.
- ومنهم الشيخ الطاهر بن عاشور، قرأت عليه جملة من التفسير والحديث والأصول.
- ومنهم الشيخ عبد العزيز بن جعيط، قرأت عليه شيئاً من التفسير والحديث.
- ومنهم الشيخ محمد بن القاضي قرأت عليه كتاب التلخيص في علوم البلاغة.
- ومنهم الشيخ محمد الدامرجي، قرأت عليه شرح الأشموني على الألفية في أربع مراحل.
- ومنهم الشيخ محمد الجدمي البنزرتي مدرس التجويد والقراءات السبع، قرأت عليه الجزرية وشيئاً من الشاطبية.
وقرأت على غير هؤلاء بعضاً من جمع الجوامع والمصطلح واللغة كالمعلقات السبع والشافية والقطر ومراح الأرواح والدرّة البيضاء وسلم المنطق، وبعد تمام الدراسة في تسع سنوات تخرجت بشهادة التطويع المعادلة لشهادة العالمية يومئذ وذلك سنة 1341 هـ.
انتهى ما كتبه الشيخ محمد سعيد دفتردار عن تعليم الشيخ.
دوره في الحركة الإصلاحية
بعدما تخرج الشيخ عمار من جامع الزيتونة ونال الإجازة منه قرر العودة إلى بلدته وهو مليء بالعلم وبرأسه أفكاراً إصلاحية كثيرة، وما لبث أن استقر حتى بدأ يلقي دروساً بمسجد السوق المسجد العتيق، وبدأ بتغيير تلك المعتقدات التي كانت موجودة رويداً رويداً، من ذبح ونذر وتقديس، وكان يواجه بالصد، ولكنه بروح الصبر والجلد استطاع أن يغير الباطل ويعرف الناس معنى :
” لا إله إلا الله محمداً رسول الله “.
وقد ركز على التوحيد السلفي والفقه الإسلامي والتاريخ وعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة وعروض وشعر.
وأصبح يؤم حلقته جمع غفير من الكبار والصغار، وبدأ الوعي الديني ينتشر، وقد فتح بذلك صفحة جديدة من صفحات الجهاد المقدس في سبيل نشر العقيدة والدعوة إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومحاربة البدع والخرافات.
تاسيس جمعية العلماء المسلمين
وقد كان الشيخ أحد المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالجزائر ورئيساً لشعبتها في جنوب الجزائر.
وقد لقي في نشر الدعوة تلك المتاعب من أولئك الطغاة الفرنسيين لأنه لم يخضع لأحكامهم الجائرة وغاياتهم السيئة في نشر الفساد في تلك البلاد الإسلامية، وأخذ الشيخ في نشر دعوته سرّاً بينه وبين أتباعه لمقاومة الاستعمار وأخذ بنشرها بين المواطنين الذين استجابوا لدعوته واتبعوه.
وعندما يشعر الفرنسيون بمبادئ الحركة يقبضون على الزعماء ويلقونهم في المعتقلات أو يقتلونهم، ولكن كل هذه الأحداث لم تضعف من عزم شيخنا في نشر العلم والدعوة إلى الله.
ولم يكتف الفرنسيون بهذا بل أنهم تدخلوا حتى في سياسة التعليم وذلك لقتل اللغة العربية طبقاً لسياسة فرنسا والجزائر وحرصوا على تنصيرهم لدمجهم في نهاية المطاف بالكيان الفرنسي، وتدعيمهم لأصحاب البدع والخرافات حتى لا يقاومونهم.
بعص الحوادث التي وقعت له كذلك
الوشايات التي كانت ترفع من طرف المحاربين له إلى القائد الفرنسي بالوادي.
ففي إحدى المرّات استدعي من طرف الضابط الفرنسي، فذهب إليه، وقد استقبله القائد بكل عجرفة وقال له بما معناه:
لقد بلغني أنك تسب في نظام الحكم وفي فرنسا وتحرض الناس على فرنسا.
وأصدر القائد قراراً بمنعه من الوعظ والإرشاد والدرس وحلقات الذكر في المسجد،
وهدده في حالة مخالفته للأمر بسجنه في سجن ” برج فطيمة ” وهو سجن المعتقلين السياسيين قرب حاسي مسعود بالصحراء.
ولما خرج الشيخ عمار من مكتب القائد كانت عيون العداء له خارج المكتب، وسأله صديقه ماذا قال لك الضابط ؟
فقال: قال:
اذهب درّس على نفسك لا يمنعك أحد.
فبدت الخيبة على وجوه المحاربين له، وذهب ودرّس بعد صلاة المغرب من نفس اليوم في المسجد العتيق بالسوق العتيق، وهذه الحادثة تدل على فطنة الشيخ وذكائه وسرعة بداهته.
مسجد الطلبة مركز للإشعاع
وقد اتخذ الشيخ عمار من مسجد الطلبة ومنزله مركزاً لإشعاع العلم المبني على أساس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل السلف الصالح، حتى أصبح للمسجد الذي يدرس فيه الدور الفعال،
فقصده الناس للتحصيل وتلقي العلم عنه، وكان رحمه الله يدرس التفسير والحديث والفقه المالكي وأصوله والعلوم المتصلة بالقرآن الكريم واللغة العربية والقواعد والبلاغة والمنطق وعلم التوحيد، وحلقته تمتلئ وهو يفيض العلم وهم يستمعون له.
وقد يسأل أحدهم عن أشياء قد استعصت عليه فيجيبه عليها الشيخ بكل سرور، وإذا رأى منهم الملل نكت لهم ليصرفه عنهم، فأخرج جيلاً من المصلحين، علمهم بعد أمية وجهالة.
وبذلك أنقذ مجموعة كبيرة من براثن الجهل والتخلف، ومجمل القول أن الفضل في قيام نهضة إصلاحية بقمار يعود بعد الله إلى الشيخ عمار الأزعر، وإلى جهوده الطيبة وأفكاره الإصلاحية التي استغرقت أحد عشر عاماً قضاها مدرسّاً وواعظاً بالجزائر حتى أفلح في تكوين نهضة إصلاحية معتمدة على القرآن والسنة وعمل السلف الصالح،
وبذلك طهر قلوب المنحرفين من البدع والخرافات ورجع الدين في طهارته ونقاوته كما كان عليه في عهد النبوة والصدر الأول.
أقول إن الشيخ عمار زعيم إسلامي كبير، وما لاقاه من معاناة يدل على نجاح عمله، وهكذا هي الحركات الناجحة، تبدأ بالمقاومات والنزاعات إلى أن تستقر على الإصلاح،
فدعوته دعوة ناجحة وعمله عمل صالح، وقد كان لحركته تأثيراً على جميع المجالات سواء أكانت العلمية أو السياسية أو الاجتماعية، أو غير ذلك،
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وأكرر القول وأقول أنه زعيم… زعيم بحق.
هجرته إلى البلاد المقدسة
وفي عام 1352 هـ ودع الشيخ عمار مسقط رأسه لزيارة البقاع المقدسة، وأداء فريضة الحج، وبعد أداء المناسك رجع إلى قمار.
بعد ذلك قرر قراره:
“أن لا بقاء في ذلك الوسط الجاحد ولا بد من الهجرة”
وذلك خوفاً على أهله وذريته من الفتن، وكان ذلك في عام 1353 هـ
حيث هاجر مع جمع غفير إلى البلاد المقدسة واستقر في مدينة خير البرية ـ المدينة المنورة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام،
وكان خروجه من بلاده بمشهد عظيم اجتمع فيه كثير من الناس، فمنهم الفرح بخروجه، ومنهم الباكي، ولما حان وقت رحيله صعد له بعض أعدائه إلى السيارة وطلبوا منه المسامحة وناشدوه القرابة والرحم، فقال لهم:
“لقد أخرجتمونا وقاومتمونا، الله بيننا وبينكم، الله حسبنا، نعم المولى ونعم الوكيل”
ثم سار الركب، وتتابعت للهجرة بعد ذلك حتى قيام الحرب العالمية الثانية حيث أغلقت الهجرة .
دروسه بالمسجد النبوي
وفي المدينة المنورة استقبله العلماء ورحبوا به، والتقت معه القلوب، واتسع نطاق معارفه، وعلموا بما عنده من علم فبدأ يعطي دروسه حتى طبق صيته علماء المسجد النبوي الشريف.
فرشحوه مدرساً بتاريخ :
1 / 1 / 1366 هـ
وعقد للعلم وأهله سوقاً نافعاً، والتف حوله طلاب العلم من المدينة المنورة ومن المهاجرين إليها، وقد درس صحيح البخاري،
من أشهر تلاميذه
- فضيلة الشيخ المرحوم محمد الحركان وزير العدل.
- فضيلة الشيخ العلامة عمر فلاته المدرس بالمسجد النبوي الشريف.
- فضيلة الشيخ القاضي عطية محمد سالم المدرس بالمسجد النبوي الشريف.
- القاضي بالمحكمة الشرعية بالمدينة المنورة سابقاً.
- الشيخ عبد الله الخربوش رحمه الله.
- الأستاذ الأديب حمزة محمد قاسم.
واستمر مدرساً بالمسجد النبوي حتى قبل وفاته بسنوات قليلة.
تدريسه بمدارس المدينة
عندما استقر به المقام بالمدينة المنورة اشتغل بالتدريس في مدرسة العلوم الشرعية بالقسم العالي ودرس بها ما يقارب من عشرين عاماً الحديث وعلوم القرآن واللغة العربية.
ثم عين مدرساً بدار الحديث بالمدينة المنورة كذلك.
مدرسة الشيخ عمار
وقد صدر أمر بالجمهورية الجزائرية على إطلاق اسم مدرسة متوسطة باسم الشيخ عمار الأزعر تقديراً لخدمته الجليلة في الجزائر، وحركاته الإصلاحية بتلك البلاد وبقاء آثاره القيمة إلى يومنا هذا.
مكتبته وآثاره
لقد ترك الشيخ عمار مكتبة قيمة تحتوي على عشرات الكتب والرسائل، وترك بعض المخطوطات من تأليفه وتحقيقاته وفتاويه، ولكن هذه المكتبة حرقت ولم يبق منها شيئاً.
وفاة الزعيم
وعندما أذنت حياة الشيخ عمار بالانتهاء جاءه مرض الموت وأسلم روحه لبارئها في :
الثالث من جمادى الآخرة سنة 1389 هـ.
وهو في الثالثة والسبعين من العمر، بعد حياة حافلة بالجهاد المقدس كان فيها مثال العالِم والزعيم الذي يجهر بالحق والذي لا تأخذه في الله لومة لائم،
رحمه الله وجعل قبره نوراً جزاء ما أسدى من خدمات للإسلام والمسلمين.

أنس يعقوب كتبي ج2 ص 139-145ط 1/1415هـ.
الشيخ عمار بن الأزعر 1868- 1898م, الشيخ عمار بن الأزعر 1868- 1898م