الخميس 30 نوفمبر 2023

الشيخ علي بن سعد القماري ..خيراني.. فارس الوطنية .. وشهيد العلم والمعرفة

الشيخ علي بن سعد القماري

الشيخ علي بن سعد القماري ..خيراني.. فارس الوطنية .. وشهيد العلم والمعرفة

كتبها الأستاذ : بشير خلف.

الشيخ علي بن سعد القماري من رجال الحركة الإصلاحية الوطنية في الجزائر على غرار رفاقه من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، حيث كان من المعارضين الشرسين للاستعمار الفرنسي بالجزائر، إذْ زُجّ به في السجن العديد من المرّات .

المولد والنشأة

وُلد في ” قمار ” سنة 1327 هـ الموافقة لسنة 1907 م. و نشأ بها ، و أخذ القرآن الكريم بها عن الشيخ الأخضر بن الحبيب بوجلخة ، كما أخذ المبادئ الدينية الفقهية في نفس البلدة عن الشيوخ أحمد القّا، واللقّاني، و محمد بن البريّة، و كذلك عن الشيخ عمار بن الأزعر و استفاد من هذا الأخير كثيرا.(1)

الدراسة والنشاط

ارتحل إلى تونس لطلب العلم بجامع الزيتونة سنة 1927 م فبقي بجامعها المعمور إلى سنة 1933 م( 2)،1932م (3) حيث حصل على شهادة التطويع ليرجع إلى بلدته قمار، فدرّس بها مدّة ليست بالقصيرة، ثم غادرها إلى مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في بسكرة، ثم باتنة، ثم وهران، ثم سيدي بلعباس، ثم غليزان.

عاد بعد هذه المحطّات من جديد إلى بلدته ” قمار ” مكث بها مدة، منقطعًا عن التدريس إلى أن طلبه الشيخ عبد العزيز الشريف الهاشمي ليعيّنه مدرّسًا في معهد الزاوية الهاشمية بالوادي في سنة 1938م قبيل الحرب العالمية الثانية التي خلالها أغلقت الحكومة الاستعمارية الفرنسية هذا المعهد، و زجّت ببعض رجاله في السجن بتهمة التآمر على الحكومة و العمل ضدّها مع دول المحور، فكان علي بن ساعد من هؤلاء إلى جانب الشيخ عبد العزيز الشريف، و الشيخ عبد القادر الياجوري.
بقوا في سجن الوادي مدّة ثم نُقلوا إلى سجن الكدية بقسنطينة حيث قبعوا به ما ينيف عن الثلاث سنوات و نصف ليُفرج عنهم ليعود علي بن ساعد إلى التدريس من جديد في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مدينة بوفاريك قرْب العاصمة الجزائرية، و بلدة الشراقة ضاحية العاصمة.

2

تزوّج الشيخ علي بن سعد من أسرة محترمة من أسر مدينة البليدة، و بقي بأهله فيها حتى حصول الجزائر على استقلالها حيث انضمّ إلى سلك التدريس من جديد كأستاذ للتعليم الثانوي في عدة ثانويات، و آخر ثانوية كان يدرّس بها هي ثانوية الأمير عبد القادر قرب حي باب الوادي حيث أُصيب بالسكتة القلبية .

كان رحمه الله شرسًا في مقاومته للبدع و الضلالات، و صلبًا في مواجهة السلطة الاستعمارية الفرنسية..و قد أصدر جريدة ” الليالي ” في العاصمة الجزائرية 1936 م . إذْ كان قلمه سيفًا مسلطا على رقبة السلطة الفرنسية في الجزائر ، و ما لبثت هذه أن أوقفتها عن الصدور.

انتقل إلى جوار ربّه و هو يواصل رسالته في مرحلة ” الجهاد الأكبر ” أستاذا معلّمًا لأبناء الجزائر المستقلة ” شهيد العلم و المعرفة ” مثلما كان مجاهد العلم و المعرفة قبل الثورة، و مجاهد الوطنية أثناء الثورة.

تُوفّي يوم الجمعة 17 من محرّم الحرام سنة 1394 هـ الموافقة ليوم 08 فيفري 1974 م عن سنٍّ يناهز 67 سنة إثر سكتة قلبية أثناء إلقائه الدرس في القسم أمام تلامذته بإحدى ثانويات الجزائر العاصمة.

رحمه الله و أسكنه فسيح جنانه، و جازاه خير الجزاء عمّا قدّمه لهذه الأمة.

مقاطع من خطبة له

«…إن الله عندما أبرزنا إلى الوجود خلقنا أحرارا في ذرّاتنا، أحرارًا في أفكارنا، أحرارا في عقيدتنا؛ و ما ذاك إلاّ لبعدنا عن الوقوع في هاوية التقليد، لأن المقلّد لا إيمان له، و هبْ أنه له بعض الإيمان فهو ليس بقادرٍ على النضال و الدفاع عنه وقت الخصام، و كفانا على ذلك شاهدا و دليلا قول المولى جلّ و علا :

{ لاَ إِكْرَاهَ في الدِّينِ قدْ تبيَّنَ الرُّشْدُ من الغيِّ .} و عدم الإكراه في الدين هو عدم إلزام أحدٍ باتباعه اتّباعًا تقليديا، لا عن تبصُّرٍ و تفكيرٍ.

إن من الآفات التي تقعد بالأمم عن الأخذ بأسباب النهوض هي من غير شكٍّ عدم إرسال النظر فيما من شأنه أن يذود عن كيان الأمة، و يبعث فيها الشعور ، و الإحساس اللذيْن بهما يعرف بنو الإنسان الواجب عليهم فيهبّوا مسرعين للقيام بأدائه، لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، و لا مقالة عاذلٍ..

و لا يقوم بأداء الواجب إلاّ أحرار الفكر؛ فحرية التفكير تبعث في الشخص الفهمَ، و منْ فهم شيئا اعتقد، و دافع عنه، و صار عنده واجبًا لا بدّ من حمايته، و الذبّ عنه . حرية الفكر هي أساس النجاح، و الباعثة على الفلاح، فإذا تكوّنت في أمة من الأمم صيّرت فيها رجالاً أحرارًا، لا يخضعون لسلطانٍ إلاّ لسلطان الحقّ، و لا لقوّة إلاّ لقوة الحقّ فتمتلئ قلوبهم إيمانًا و يصبحوا إلاّ منهم أركانًا.

فما على قادة الأمة و هداتها المرشدين إلاّ أن يسعوْا سعيا جديًّا لإنقاذ أمتهم التي يعتبرون حياتها حياة لهم، و موتها موتًا لهم من هاوية التقليد، و أن يأخذوا بيدها إلى ميدان حرية التفكير، و يكون إرشادهم إلى ذلك بالغ الحدّ بتفهيمهم بالأدلّة العقلية، و البراهين المدعّمة بالحجج القطعية.

فمنْ أخذ عنكَ فكرة تقليدية، فلا تحسبْه يجود بنفسه للمدافعة عنها فيما إذا دعت الحال إلى ذلك السبيل.» (الشيخ علي بن سعد).

حواشي

  • (1) ـ الشيخ تليلي محمد الطاهر/ مجموع مسائل تاريخية متفرّقة./( مخطوط).
  • (2) ـ المرجع السابق.
  • (3) ـ سعد البشير العمامرة، أحمد بن الطاهر منصوري/ أعلام من سوف في الفقه والثقافة والأدب/ جمعية الجماعة السوفية.ص79 2006 مطبعة مزوار بالوادي.

تقييم الموضوع

نسبة التقييم

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

عن إدارة الموقع

موقع مدينة قمار، منارة العلم والتنوير ومعين المعرفة والعرفان ، زهرة المدائن الجزائرية وجوهرة الصحراء.

شاهد أيضاً

وفاة الفيلسوف الجزائري البوخاري حمانة

الفيلسوف الجزائري البوخاري حمانة في ذمة الله

الفيلسوف الجزائري البوخاري حمانة في ذمة الله ببالغ الأسى والحزن انتقل إلى رحمة الله، الفيلسوف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *